و عاد في كفن -- محمود درويش
يحكون في بلادنا |
يحكون في شجن |
عن صاحبي الذي مضى |
و عاد في كفن |
* |
كان اسمه... |
لا تذكروا اسمه! |
خلوه في قلوبنا... |
لا تدعوا الكلمة |
تضيع في الهواء، كالرماد... |
خلوه جرحا راعفا... لا يعرف الضماد |
طريقه إليه... |
أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام ... |
أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء |
أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء! |
أخاف أن تنام في قلوبنا |
جراحنا ... |
أخاف أن تنام !! |
و لم يضع رسالة ...كعادة المسافرين |
تقول إني عائد... و تسكت الظنون |
و لم يخط كلمة... |
تخاطب السماء و الأشياء ، |
تقول : يا وسادة السرير! |
يا حقيبة الثياب! |
يا ليل ! يا نجوم ! يا إله! يا سحاب ! : |
أما رأيتم شاردا... عيناه نجمتان ؟ |
يداه سلتان من ريحان |
و صدره و سادة النجوم و القمر |
و شعره أرجوحة للريح و الزهر ! |
أما رأيتم شاردا |
مسافرا لا يحسن السفر! |
راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى |
إن جاع في طريقه ؟ |
قلبي عليه من غوائل الدروب ! |
قلبي عليك يا فتى... يا ولداه! |
قولوا لها ، يا ليل ! يا نجوم ! |
يا دروب ! يا سحاب ! |
قولوا لها : لن تحملي الجواب |
فالجرح فوق الدمع ...فوق الحزن و العذاب !لن تحملي... لن تصبري كثيرا |
لأنه ... |
لأنه مات ، و لم يزل صغيرا ! |
يا أمه! |
لا تقلعي الدموع من جذورها ! |
للدمع يا والدتي جذور ، |
تخاطب المساء كل يوم... |
تقول : يا قافلة المساء ! |
من أين تعبرين ؟ |
غضت دروب الموت... حين سدها المسافرون |
سدت دروب الحزن... لو وقفت لحظتين |
لحظتين ! |
لتمسحي الجبين و العينين |
و تحملي من دمعنا تذكار |
لمن قضوا من قبلنا... أحبابنا المهاجرين |
لا تشرحوا الأمور! |
أنا رأيت جرحه |
حدقّت في أبعاده كثيرا... |
" قلبي على أطفالنا " |
و كل أم تحضن السريرا ! |
يا أصدقاء الراحل البعيد |
لا تسألوا: متى يعود |
لا تسألوا كثيرا |
بل اسألوا: متى |
يستيقظ الرجال ! |
لتمسحي الجبين و العينين |
و تحملي من دمعنا تذكار |
لمن قضوا من قبلنا... أحبابنا المهاجرين |
يا أمه ! |
لا تقلعي الدموع من جذورها |
خلي ببئر القلب دمعتين ! |
فقد يموت في غد أبوه... أو أخوه |
أو صديقه أنا |
خلي لنا... |
للميتين في غد لو دمعتين... دمعتين ! |
يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا |
حرائق الرصاص في وجناته |
وصدره... ووجهه... |
لا تشرحوا الأمور! |
أنا رأيت جرحه |
حدقّت في أبعاده كثيرا... |
" قلبي على أطفالنا " |
و كل أم تحضن السريرا ! |
يا أصدقاء الراحل البعيد |
لا تسألوا : متى يعود |
لا تسألوا كثيرا |
بل اسألوا : متى |
يستيقظ الرجال ! |